الجمعة، 11 يوليو 2008

أصناف

غالباً ما تتشكل الأيام في حياتنا على شكلين: الأول ملؤه أيام نندم لأننا عشناها وعاشتنا، والثاني ملؤه أيام نندم لأنها انقضت ورحلت

بعض الأيام أعيشه حتى نهايته بلا لذة ولا مغزى، وحين ينقضي ينتابني شعور بأنه ما جاء من الأساس وما حل بي، أو بأنه مجرد ورقة إضافية قطعتها في الصباح من لوحة التقويم التي مازلت أصر على تسجيل حضوري عليها في كل يوم وكأنني أعمل لدى ناشرها، أو رقم جديد أضيف إلى أيام عمري وقربني لحد يستحيل الجزم بمقداره من نهاية محتومة ومجزوم بشأنها سلفاً. إنها الأيام التي لا أفرح فيها ولا أحزن، لا أتعلم فيها ولا أعلم، لا أرضى فيها ولا أغضب، ولا أكاد أشعر بأني قد عشتها حقاً. والبعض الآخر من الأيام غاية ما أستطيعه بعد انقضائه هو التحسر عليه وعلى أنه فات وتسرب كاملاً دون أن أستمتع به بما يوفيه حقه وأسجل وقائعه بدقة في كتاب الزمن عساني أستطيع استرجاعها بالتفصيل إن شئت لاحقاً وأستعين بها على البعض الأول من الأيام وكآباتها. إنها الأيام التي أشعر أثناءها وفي نهايتها بالسعادة وبنغزات النشوة الحقيقية غير المصطنعة في قلبي طيلة ساعاتها وكأن عرض السعادة فيها مستمر. أيام أتعلم فيها الجديد حتى وإن لم أجربه ولم أنقله لأحد سواي بالضرورة، وأسعد فيها حتى وإن خالط سعادتي تلك بعض الشجن الذي لا مفر ولا بأس منه، وأرضى فيها عن نفسي أو على الأقل لا أكيل لها ما اعتدت من اتهامات بالنخوع. تلك هي الأيام التي أشعر بأني قد عشتها حقاً وبأنها أبعد بسنوات ضوئية من أن تكون مجرد أوراق تقطع وترمى أو يمسح بها الزجاج أو تجربة تعاش أو حالة تخاض وكفى. تلك الأيام هي أجمل ما في العمر والصواب أن تكون هي معيار حساب سنوات العمر، أو أيامه باعتبارها أياماً قليلة بطبيعتها، أو على الأقل في تجربتي الحياتية. في تلك الأيام أعانق أصدقائي حتى وهم في أبعد الربوع عني، وأحادث نفسي حتى وأنا أحسبها أبعد ما تكون عني. إنها الأيام التي أندم بعدها لا على أنها أتت، بل على أنها رحلت على غير رغبة مني ولا هوى

ليتني أعرف إلى أين ترحل تلك الأيام فأطاردها وألحق بها أو على الأقل أحاول ذلك وأسعى إليه، وليتني أستطيع تسجيل وقائعها بالنفصيل بالقلم وبالصوت والصورة معاً لأتفوق في مهنية التسجيل على المؤرخين في الزمن الغابر وما كانوا يفعلون في الأيام المشهودة. والأهم من هذا وذاك: ليتني أستطيع استقدام تلك الأيام وصرف نقيضها قبل أن يزورني ويعكر صفو ما خلى. ليتنا نستطيع التحكم في مجريات الحياة وصروف الدهر، لا لنجلب حلوها، بل لندفع مرها حتى وإن اقتضى ذلك ألا نعيش كل ما كتب لنا من أيام

هيهات.. لكن كم من الحمقى تمنى تلك الأمنيات قبلي؟؟

ليست هناك تعليقات: