الجمعة، 11 يوليو 2008

ظروف غير مواتية

الشمس لم تشرق في ذلك اليوم
أو لعل نورها احتجب وراء غيوم يناير الكثيفة
النهار صار – فجأة – ظلمة كئيبة
والفجر الذي لاح لم يكن سوى فجر كاذب
الناس تململت في البداية، وتحسرت على يوم ضائع
لكن عندما انمهر المطر من بين فتحات السحب،
لم يجد الناس بدا من التعايش مع يوم شتوي قاس
الكل راح يؤدي ما عليه أداؤه
والكل نسي – أو تناسى – أمر الصباح الذي لم تشرق شمسه

***

لم يعد على رصيف المحطة غيري أنا
أنا وحقائبي التي ملئتها بكل ما ظننتني سأحتاجه هناك
في بلاد الغرباء
القطار أتي في موعده، وأنا كنت واقفا في انتظاره
فلماذا لم أصعد الدرجتين الوحيدتين اللتين تفصلانني عن بلاد الغرباء؟
هل خفت؟
ولماذا ترددت؟
القطار غادر، على أي حال، ولاشك أن قطارا آخر سيأتي من بعده
ولكن.. هل سأصعد درجتيه؟

***

وطنك لم يعد وطنك
صرت فيه غريبا، وصار يأكل أبناءه
صار يستهزئ بهم ويستلذ عذابهم
الناس في وطنك صاروا جزرا منعزلة، تفصل حواجز الكآبة والاغتراب بينها
الظروف ما عادت مواتية في وطنك
والحزن صار يكسي كل الأشياء والوجوه
حتى الشمس لم تعد تشرق عليه في الصباح
الأمل مفقود، فلماذا مازلت تصر على البقاء فيه؟

***

أهز رأسي من أعلى لأسفل
أوافقكم القول
وطننا لم يعد وطننا
صار مستوطنة للفساد والفاسدين
صرت أشعر فيه بمرارة الغربة،
حتى وأنا بين أصدقائي أو وسط أهلي
حقا.. الظروف ما عادت مواتية
الجميع يغادر، ويقال إن من سيبقون في النهاية هم الأخسرون
أو هم السذج الذين لا يتعلمون من تجارب الآخرين
ولكن كيف لي بالرحيل إلى وطن الغرباء الذي يقطر لبنا وعسلا؟
وكيف أجبر نفسي على المغادرة؟؟

***

سأفتقد – إن رحلت – وجوه الناس البسطاء
صحيح أن أكثر الوجوه هنا وجوه مكفهرة، ولامبالية، ولكنها وجوه بسيطة على أي حال
سأفتقد – إن رحلت – مكان اللقاء الأثير مع الحبيبة ومع الأصدقاء
هل في بلاد الغرباء مكان كنفس مكاني العتيد الذي أعرفه ويعرفني؟
وأين سأجد الأصدقاء الحقيقيين؟؟
صحيح أن معظمهم غادر بالفعل وآثر ألا يكون من الأخسرين
ولكن أليس من تبقوا أصدقاء أيضا؟
ثم.. ألا يستحق الوطن فرصة أخرى؟
هل يمكن التضحية به بهذه السهولة؟
هل يمكن التنصل منه؟
وهل الوطن هو مكان، أم زمان، أم أفراد، أم كيان؟
.. والأهم الآن: هل أغادر في القطار التالي؟
ها هي أدخنته تلوح من وراء الغيوم
أتى وقد غسله المطر ونقاه، وكأنه يحتفل برحيل من سيرحلون فيه
لم يأت في موعده
بل جاء – على غير العادة - مبكرا عن موعده بعض الشيء
وكأنه يضاعف الضغوط علي ويضيق الخناق حولي
فهل أستقله؟ هل أصعد درجتيه الفاصلتين؟؟

***

الغيوم – أخيرا – انقشعت
والمطر توقف عن الانهمار
رصيف المحطة اكتظ بالمسافرين من جديد
الكل كان منشغلا بمواعيد القطارات التالية
الكل كان همه الرحيل، إلى بلاد الغرباء، إلى بلاد اللبن والعسل والحور العين
ووحدي أنا تطلعت للسماء، ممنيا نفسي برؤية ما تبقى من شعاع الشمس
ولكن.... أين ذهب الشعاع؟؟

***

الليل أتى قبل موعده!!
أو لعل احتجاب الشمس طال أكثر مما يجب
كل شيء صار يمر بأسرع مما نتصور في وطني، حتى الأشياء الكريهة فقدت جلالها!
صدقوا – إذن – إذ قالوا: إن الظروف ما عادت مواتية

***

"أريد تذكرة أخرى، لو سمحت

ليست هناك تعليقات: