الجمعة، 11 يوليو 2008

في البدء..

...

كنت حتى وقت قريب جداً غير مقتنع إطلاقاً بأهمية أن تكون لي مدونتي الخاصة التي أهتم بتحديثها دورياً وببث بعض من أفكاري ومشاعري فيها. كنت دائماً ممن يعتقدون أن النشر في الصحف أفضل من عدة نواح حين يتعلق الأمر بآراء أو معتقدات أود طرحها للنقاش والتفاعل، وأن النشر ضمن "النووتس" في الفايسبوك أو حتى الاحتفاظ بالأعمال وتجميعها لحين نشرها معاً في مجموعة كاملة فيما بعد هو الخيار الأفضل حين يتعلق الأمر بأعمال ومحاولات إبداعية من نوع أو آخر. فمسألة تحديث المدونة بشكل دوري متكرر كانت تمثل بالنسبة لي دائماً مصدراً للتقييد لا أحبه ولا أشعر بأنني مضطر إليه، خاصة وأن حياة المرء لا تنطوي طوال الوقت على ما يمكنه أو ما يجب عليه تدوينه بانتظام.. فهناك أيام لا نمر فيها بأي جديد أو لا نعايش فيها ما يستحق التوثيق والحفظ، وهناك أيام نكون فيها سعداء أو تعساء لدرجة أننا لا نجد في أنفسنا أية قدرة على التدوين، وهناك أيام نمر فيها بما يستحق تدوينه ونكون فيها مهيأين لذلك مزاجياً ولكن تحول بيننا وبينه مشاغل أو ضغوط من نوع أو آخر.

فما الذي يدفعني الآن، هكذا بغتة، إلى التدوين؟

...

لكن.. هل حقاً باغتتني الرغبة في التدوين بعد طول رفض من جانبي لها ونجحت بشكل ما في إجباري على إشباعها؟ هل كانت المسألة مفاجئة وغير مرتبة تماماً بالنسبة لي؟؟

لا أظن ذلك. ربما يكون ما حدث على الفايسبوك مؤخراً من اختراقات وقرصنة قد أجبرني على التفكير في إنشاء محل تواجد بديل لي لأن الفايسبوك لم يعد بنفس درجة الأمان التي عهدتها على مدى عام كامل تقريباً. لقد أشعرتني تلك الهجمة المتأسلمة على بعض الـ "بروفايلات" والـ "جروبات" التي كنت ضمن المهتمين بها - أشعرتني بأن كل شيء على ساحة الفايسبوك قد يضيع منك في لحظة وتفقد بصمات وآثار غرستها - أو حاولت - على مدى شهور وشهور.. كل شيء مهدد بالفناء في أي لحظة: أصدقاؤك، جروباتك المفضلة، النووتس الخاصة بك، تعليقات منك ولك من هنا أو هناك، صور لك أو لمن تحب، أنشطة وأحداث، ... إلخ إلخ. كل شيء ممكن أن يضيع في لحظة واحدة، بناء على رغبة مراهق متطرف شاء أن يجاهد إلكترونياً - كما أوهمه من ضللوه - بأن يمسح كل أثر إلكتروني لأشخاص يتبنون توجهات فكرية معينة لا توافقه فكرياً ولا توافق على تطرفه وانعدام التسامح كلياً لديه.

ربما يكون ذلك الاختراق الأمني الخطر الذي شهده الفايسبوم مؤخراً قد عجل بدفعي إلى اقتحام عالم التدوين للمرة الأولى بعد طول رفض أو غياب. لكن هل كان هذا هو السبب الوحيد؟

...

أظن أن المسألة أكبر من ذلك بعض الشيء. لقد بدأت منذ فترة قصيرة نسبياً أفكر في دخول عالم التدوين لأن هناك دائماً بعض الأفكار والآراء التي أود طرحها على ملأ أوسع وعلى قطاع أعرض بعض الشيء من القراء والناشطين، إذ ربما أسهم بذلك إسهاماً بسيطاً متواضعاً في دفع إلقاء مزيد من الضوء على قيم معينة أؤمن بها بشدة وأتمنى لو آمن بها الجميع: المساواة والعدالة، التسامح، والتفكير العلمي المنطقي. وبما أن معايير الخصوصية الخاصة بي على الفايسبوك كان لابد أن تصبح أقوى وأكثر صرامة في الفترة الأخيرة لتجنب هجمات مؤذية محتملة من المجاهدين الإلكترونيين المخدوعين، وللحفاظ على درجة ما من الخصوصية بشكل إجمالي أمام غرباء لا أعرفهم بالضرورة ولا يجب أن يكونوا على علم تام بأطروحاتي وتوجهاتي، فإنه كان لابد من البحث عن فضاء بديل، فضاء مفتوح وأكثر رحابة، بحيث يتسنى لي عرض ما لدي لأعرضه على قطاع أكبر من الناشطين والأصدقاء وحتى الزوار العابرين.

...

وثمة سبب آخر دفعني إلى التدوين.. إنه يتعلق بروايتي الأولى التي أكتبها الآن والتي أنوي نشرها إلكترونياً بعد حوالي الشهرين من نشرها طباعة (في مارس القادم على أقصى تقدير)، وقد رأيت أن النشر في حلقات عبر مدونة كهذه سيكون خياراً ممتازاً في هذه الحالة وفي ذلك الحين. فالتفاعل الحي مع فصول الرواية المنشورة يمكن أن يزيد التجربة ثراء وأن يلفت نظري إلى كثير مما من المحتمل جداً - بل ومن المؤكد - أنه سيفوتني وسأغفل عنه في سياق عملي الروائي الأول.

...

إذن، فلتجربتي التدوينية - أو لإقدامي على تجربة التدوين بعد رفض طويل نسبياً - دوافع وأسباب متعددة، ولعل أهمها أنني راض تماماً عنها بل ومتشوق لها. لكن لا أظنني سأستطيع في الأيام الأولى من عمر تجربتي التدوينية هذه أن أدون بمعدل غزير أو منتظم، وأظن أن مدوناتي الأولى ستكون في أكثرها عبارة عن نقل لأعمال أخرى كتبتها من قبل ونشرتها إما في الصحف وإما على الفايسبوك. فالمشاغل الآن كثيرة والمزاج العام غير موات لغزارة تدوينية أو كتابية بعيداً عن العمل الروائي الأول، ولكن ما يهمني الآن هو أنني اقتحمت عالم التدوين - أخيراً - وأنني سعيد بذلك بحق.

هناك تعليق واحد:

BeEnA يقول...

يا محمد مبرووووووووك و طبعا بنشكر الظروف اللي خلتك اخيرا تقرر تنشر مدونتك الخاصة

و لو ما كنتش انت اللي تدون مين اللي يدون يا معلم :))